تتسارع الأحداث الاقتصادية في لبنان نحو الأسوأ. انتقلت الأزمة من شحّ في الدولار إلى عدم القدرة على تحويله للخارج، حتى بهدف الاستيراد. ضاق الخناق على الشركات، فبدأت بطرد عدد من موظفيها، وفي أحسن الأحوال اقتطعت نصف رواتبهم.
نسبة البطالة فعلياً فاقت 50 بالمئة. ومن يملك الدولار في المصارف، لم يعد قادراً على سحبه إلاّ بسقوف أسبوعية مرشّحة للانخفاض. أسعار المواد الغذائية ترتفع، مع اتجاه لفقدان بعضها مستقبلاً، فيما التجار يدعون زبائنهم لتموين المواد الغذائية، احتياطاً لتفاقم الأوضاع.
وأبعد من ذلك، يتجه عدد من السياسيين والأحزاب للتموين. ما يرفع مؤشرات المخاطر باتجاه الحديث عن مساعدات غذائية دولية يتم بحثها على مستوى جمعيات عالمية وسفارات أجنبية.
*إعانات دولية*
انتقل الحديث حول تخزين المؤن تفادياً لأي طارىء مرتبط بالأزمة الاقتصادية والمالية، من حديث مجازي يسخر من الوضع الصعب، إلى إجراءات تشهدها الكثير من العائلات اللبنانية، فضلاً عن بعض الأحزاب التي دعت مناصريها ومحازبيها إلى تخزين المؤن، وذهب بعضها إلى تهريب المواد الغذائية من سوريا، وتخزينها أو افتتاح متاجر تبيع بضائع سورية بأسعار أرخص من أسعار المنتجات اللبنانية أو المستوردة. حتى أن بعض السياسيين أوعز إلى موظفيه بشراء كميات كبيرة من البنزين والمازوت والمواد الغذائية.
الخطوة الداخلية لمواجهة نقص المواد الغذائية، استدعت تحركاً دولياً منذ أكثر من أسبوعين، يسير في الخفاء وخارج التداول الرسمي والعلني. هذا التحرك يرتكز على مباحثات تجريها بعض السفارات الأجنبية في لبنان مع منظمات وجمعيات دولية تقدم المساعدات الغذائية، وبعضها مرتبط بمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو). تطرح تلك الجهات خطوات جدية لتأمين مساعدات غذائية للبنان في العام 2020. إذ ترى الجهات الدولية أن اللبنانيين سيكونون بحاجة لمساعدات غذائية، بفعل انهيار عملتهم واختفاء المواد الغذائية من الأسواق، في ظل عدم القدرة على الاستيراد.
وتترقب الجهات الدولية هذا المسار بعد مراكمتها خبرة لسنوات، خلال عملها في مساعدة النازحين السوريين في لبنان. واللافت في الأمر أن السفارات في لبنان تتواصل مع مؤسسات حكومية في أوروبا، كما تتواصل مع الأمم المتحدة، لوضع برنامج للمرحلة المرتقبة، فيما الدولة اللبنانية لا تزال في مرحلة إنكار للأزمة، وغياب تام عمّا تقوم به الجهات الدولية.
انهيار الليرة
في خضم تزاحم الناس لتخزين المؤن وتراجع القدرة الشرائية للعملة، لم تنهر العملة بعد. فالاحتياط النقدي في مصرف لبنان، إلى جانب الذهب، يحميان الليرة حتى الآن، لكن كل السيناريوهات موضوعة على طاولة البحث، لأن السلطة السياسية قدمت استقالتها من مسؤولياتها، وحصرت اهتماماتها بتقاذف الاتهامات بالفساد، وإحالة كل طرف مسؤولية تفاقم الأزمات إلى طرف آخر.
بالتوازي مع السجالات السياسية، تشير أرقام جمعية المستهلك إلى أن الأجور "فقدت ما بين 50 إلى 60 بالمئة من قيمتها بفعل المضاربات الكثيفة على الدولار"، الأمر الذي يصيب "نحو 2.414 مليون موظف لبناني مباشرة". كما أن "أسعار السلع ارتفعت بمعدل يتراوح بين 15 و20 بالمئة". ومع ذلك، يرى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن "الليرة بخير".
هي الليرة التي يهرب منها اللبنانيون باتجاه الدولار المفقود، في مشهد يشبه المشهد الأرجنتيني الذي انتهى بانهيار "البيزوس"، بعد أن تقلصت قدرة المصرف المركزي الارجنتيني على التدخل. وللمفارقة، هذا ما يشهده لبنان. إذ رفع مصرف لبنان يده عن التدخل لمساعدة السوق، ليس فقط مالياً، وانما حتى على مستوى القطاعات الاقتصادية. فباستثناء مساعدة قطاعات الدواء والبنزين والقمح عبر تأمين الدولار لاستيرادها، لم يظهر المركزي أي مساعدة.
إن كان انهيار العملة لم يحصل بعد، إلا أن التبعات الاجتماعية والاقتصادية للأزمة التي خلقتها سياسات الطبقة الحاكمة، تحت إشراف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، باتت في طريق باتجاه واحد نحو الهاوية. والحل الوحيد لتفادي السقوط المدوي هو إجراء جراحة مالية تتّسم بمساهمة المصارف وكبار السياسيين بضخ سيولة مالية، والتنازل عن المغانم التي اقتنصوها من خزينة الدولة وجيوب المواطنين عبر ثلاثة عقود.